الاقتصاد الموريتاني وأولوية الاعتماد على المنتج المحلي

الاقتصاد الموريتاني وأولوية الاعتماد على المنتج المحلي
الاقتصاد الموريتاني وأولوية الاعتماد على المنتج المحلي

اليوم الجديد/ يشكل قطاعا (الاستخراج والصيد البحري) المصدر الرئيسي للدخل والإيرادات المالية الموريتانية، حيث تمتلك موريتانيا ثروة هائلة من المواد الأولية: (الحديد، النحاس، الذهب، النفط والصيد)  تتجاوز 90% من إجمالي الصادرات.

وهي نسبة تظهر جليا ضعف قطاع الصناعات التحويلية وتدني الإنتاجية، وذلك ناتج عن اهتمام الدولة بالثروات الطبيعية على حساب باقي القطاعات المنتجة كالزراعة والصناعة والخدمات.

وهو ما يشكل تحديا للنمو الاقتصادي، فعلى الرغم من الإيرادات المهمة والعائدات المالية الكبيرة لمثل هذه الثروات ومساهمتها في المشاريع الاقتصادية والاجتماعية الكثيرة، إلا أن إهمال القطاعات المنتجة الأخرى يجعل الاقتصاد هشّا وعرضه للآثار السلبية،  كالاستغناء عن هذه المواد بمواد بديلة وتقلبات الأسعار وتغير متطلبات السوق، ما يجعل هذه المصادر ليست مستقرة وقد تشكل في لحظة ما اضطرابا في موارد الدولة والموازنة العامة، مما قد يسبب تراجعا في المشاريع الاقتصادية والاجتماعي، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في الهيكل الاقتصادي الوطني، وإعطاء أولوية للإنتاج المحلي، وفي ذلك تمشيا مع الواقع الذي يبين أن الاعتماد الاقتصادي المستقر لا يكون إلا على المنتج المحلي خصوصا متعدد المصادر.

وقد لأكد الشركاء والاقتصاديون الدوليين لموريتانيا ضرورة تبني مشاريع تدعم وتشجع الاقتصاد المحلي، ففي العام 2016 حث صندوق النقد الدولي موريتانيا خلال مشاورات المادة الرابعة، على تنشيط الإصلاحات الهيكلية لتعزيز التنويع الاقتصادي والنمو الاحتوائي.

ومن تجليات تأثير السوق العالمية على المواد الخام ما حصل خلال الفترة ما بين 2014 و2013 لسعر الحديد الخام الذي بلغ (-28%) سنة 2014 و(-59%) سنة 2015 مقارنة ب 2013 ساهم بشكل كبير في تباطؤ النمو الاقتصادي كما جاء في التقرير الصادر بتاريخ 11 مايو 2016 عن بعثة صندوق النقد الدولي، حيث أشار التقرير ان تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي (PIB) الى حدود 2% بعد أن كان 6.6% سنة 2014، يعود في جزء كبير منه إلى ضعف هبوط أسعار المعادن الدولية. وجاء في التقرير أنه بالرغم من زيادة الإيرادات التي تحققت نتيجة عدم تعديل أسعار الطاقة المحلية في مقابل هبوط أسعار النفط الدولية إلى جانب فرض بعض القيود على الإنفاق الجاري إلا أن عجز المالية العامة (باستثناء المنح) شهد تدهورا نتيجة تراجع العائدات المعدنية.
أدى هذا التراجع في أسعار الحديد إلى فقدان ما يقارب 46.3% من قيمة صادرات الحديد سنة 2014 و50.1% سنة 2015، مما انعكس بشكل مباشر على الصادرات الكلية للبلد التي تراجعت حصة الحديد فيها الى 24% سنة 2015 مقابل 38% سنة 2014 ومعدل 50% خلال الفترة 2011-2013.
بلغت مساهمة الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (سنيم) 20.4% من إجمالي الإيرادات الحكومية كمتوسط خلال السنوات الثلاثة التي سبقت هبوط أسعار الحديد عالميا (2011، 2012 و2013)، وهي نفس النسبة، تقريبا، (20.02%) التي ساهم بها قطاع استخراج الحديد في الناتج المحلي الخام خلال الفترة نفسها.
وفي سنة 2014، التي عرفت تراجع سعر طن الحديد ب (-28%) مقارنة بالسنة السابقة هبطت نسبة مساهمة سنيم في تغذية ميزانية الدولة لتصل الى 16,8% بينما تراجعت مساهمة قطاع استخراج الحديد في الناتج المحلي الإجمالي الى النصف مقارنة بسنة 2013.
اما بالنسبة لسنة 2015، فقد ازداد الوضع سوءا وعرف تدهور سعر الحديد العالمي مستويات قياسية بلغت نسبته (-%42) وهو الأدنى له منذ 10 سنوات. وقد انعكست تلك النتائج على الإيرادات الحكومية المتأتية من سنيم وانخفضت من 70.92 مليار (أوقية قديمة) سنة 2014 الى 7.53 مليار فقط سنة 2015، أي بتراجع قدره (-89%)، وفيما يتعلق بالناتج المحلي الإجمالي فقد تراجعت مساهمة القطاع ب (-76%) مقارنة ب 2014.
في سنة 2016 عرفت أسعار الحديد انتعاشا طفيفا، حيث بلغ سعر الحديد 58.49 دولار للطن وهو ما يمثل زيادة قدرها 4,7% مقارنة بأسعار 2014. هذا التحسن انعكس إيجابا على مداخيل الدولة من سنيم التي ارتفعت هي الأخرى ب 2.66 مليار (أوقية قديمة).
اما سنة 2017 فقد عرف سعر الحديد فيها الكثير من التذبذب (شهريا)، الا انه حافظ على الزيادة في الغالب حيث بلغ 71.76 دولار للطن كمتوسط سنوي. وقد عرفت إيرادات الخزينة من سنيم خلال الفترة الممتدة من يناير الى أكتوبر2017 زيادة قدرها 89% مقارنة بنفس الفترة من 2016، الا انه بالرغم من ذلك فمازالت هذه المداخيل بعيدة من المستوى الذي كانت عليه قبل تدهور الأسعار.

ولعل هذه الصورة البسيطة تعكس أحد أوجه الأضرار الاقتصادية الناتجة عن إهمال إنشاء اقتصاد محلي اعتماد مواد طبيعية تصدر بشكل خام إلى دول قد  تجد نفسها في لحظة معينة في غنا عنها، فالصين كنموذج “أعلنت اعتزامها خفض الإنتاج بنحو 100 مليون طن حتى العام 2020 بعد الضغوط العالمية التي مورست عليها”.

صحيح أن الدولة في مواجهة مثل هذه الأزمات، قد تلجأ إلى الطرق المتاحة وإن كانت على حساب المواطن البسيط، كزيارة الضرائب أو استحداث أخرى، وفي ذلك ما يترتب عليه من زيادة الأسعار، في مقابل ضعف الدخل، وهي مؤشرات لمعطيات أخرى كالبطالة والتراجع الاقتصادي والإنمائي.

المرجع مقال: الاقتصاد الموريتاني بين خيار التنويع او التجويع (1) / مولاي ولد أب ولد أݣيݣ

شاهد أيضاً

نواكشوط: الحكومة تعقد اجتماعها الأسبوعي

اليوم الجديد/ اجتمع مجلس الوزراء صباح اليوم الأربعاء بالقصر الرئاسي في انواكشوط، برئاسة السيدمحمد ولد …

اترك تعليقاً